توأم سيامي
هناك جثة ما لشخص قتل فيما مضى بأبشع طريقة و بالرغم من انه تقطع اشلاء و ضرّج بدمائه و لوّث كل ما يحيط به بوضوح الا انني انكرت ذلك و تجاهلت رؤيته و تعاملت معه كأنه قطعه اثاث مكسورة و قلت لنفسي يجب التنظيف بهدوء و قبل ان تعرف امي و تتساءل عن هذه الفوضى.. خشيت ربما ان اتهم انني سببها و اضطر الى تعليلها و هذا ما لا املكه بل و اتهرب منه
لم افكر بالجريمة التي ارتكبت و بشاعتها و نتائجها فقد اردت ان اواري الفضيحة و لأنني كنت صغيرة بما يكفي لأعجز عن اخراجها من تلك المنطقة التي استقرت فيها.. فقد رفعت البلاط ببساطة و سذاجة وواريتها بخجل و سويت الارض فوقها و استذكرت كل ما يمكن عن التنظيف و التعقيم و حاولت ان يبقى المظهر نقيا كما كان
مر وقت طويل و اشك الان هل قتلته انا ام هل قام احد بذلك فتتقاذفني الاوهام و اليوم بعد عشرين عاما ظننت انها قد تتحلل كما تفعل كل الجثث بصمت و بلا ضجيج و تنسجم مع الارض كما ينبغي لها ان تفعل, هذا كان اتفاق الطبيعة مع كل الموتى, ان يتحولوا الى غبار و لا يحس احد انهم كانوا على قيد الحياة في يوم مضى و ان ينسوا الى الابد.. الا انني ما زلت اشتم رائحة و ابرر... ربما هي رائحة المجاري او طائر ما هشمته قطة على نافذتي او كل ما يمكن ان لا يعنيني ..الا ان الحاجة الى التبرير تحاصرني و الاسئلة الفضولية تشغل بالي حتى تماهيت مع فكرة عدم وجودها و تساءلت ايضا عن تلك الرائحة العفنة.. تلك الرائحة اللعينة لا استطيع تجاهلها.. الجيران و الزوار و عابري الطريق و الفضوليين .. كل العالم يجتمع حتى لا انساها.. اعجز عن الاعتراف بالجريمة ثم حدث ان قررت الرحيل بحكم العادة نقلت كل شيء و معي الجثة!! تلك اللعينة ما زالت تحتفظ بمخالبها كحيوان بري و تتشبث بالبلاط بأنيابها الحادة و تبتسم لي بوقاحة.. عندما اتحرك تحرك مقلتيها و تتابعني و كأنها تلتهمني.. لماذا اشعر ان الدماء النازفة من فاهها دمائي و انها ما زالت تأكل لحمي و تمضغه باستمتاع و تستدرجني حتى اقترب و اشحذ يدي لأفتح فمها و اخذ ما تبقى مما اظنه انا هناك و الصقه بجسدي المهشم من تلك الحادثة
هذه الرائحة تخنقني و تعطلني عن الحياة اثناء محاولتي تجاهلها و العيش معها لأنها لا تنفك تتبخر في الجو و تدخل الى صدري و تلتصق برئتي ثم تنتقل مع دمائي الى قلبي و عقلي و تتجسد كحيوان بريّ يلتصق بي .. لن استطيع ايقاف الدورة الدموية كما هي لذا فكرت مليا بالانتحار.. هل فهمتم؟؟
بصراحة هالمرة فهمت و ما فهمت بنفس الوقت!!