precious

By انا مش حرة

"الحب لم يقدم لي شيئا, الحب يضربني, يغتصبني, يناديني بالحيوان, يشعرني اني دون قيمة, يجعلني امرض "

هذا هو ما تدور حوله احداث فيلم بريشس.. الحب المؤلم و المشوه و الغريب و الذي ندفع ارواحنا من اجله لكنه يرمي بنا في الهاوية.. الحب الذي يضرب و يغتصب بأقسى الاشكال و يشتم بأسوأ الالفاظ و يحطم كبريائنا و يستنزف حتى صحتنا و يجعلنا نمرض و لكن بوجود الامل و كسر حواجز لا يجعل اقتراب الموت هو النهاية

تجري احداث فيلم بريشس عام 1987 في منطقة اسمها هارلم بحي غيتو للسكان السود على الاغلب حيث يعج بالعاطلين عن العمل و المدمنين و يكاد يخلو من الحياة الاجتماعية .. يتحدث عن فتاة اسمها كلريس بريشس جونز زنجية و سمينة و في السادسة عشرة من عمرها و ما زالت في المرحلة الاعدادية و تميل للعزلة التي تستغرقها بأحلام اليقظة الا انها بالرغم من ذلك نرى حبها لنفسها بإضاءات بسيطة بتفضيلها ان يناديها الناس باسمها الاوسط بريشس بمعنى ثمين و ايمانها ان الايام مختلفة و متجددة و قد تحمل معاني مختلفة

تعيش بريشس ظروفا صعبة فهي تتعرض للاعتداء الجنسي من قبل والدها منذ ان كانت في الثالثة و يتطور الامر حتى يعاشرها معاشرة كاملة في سن المراهقة فتنجب منه ابنة مصابة بمتلازمة الداون تناديها مونغو_اختصار منغولية_ لتعيش الطفلة مع جدة بريشس لوالدتها لأن والدتها_ماري_ ترفض الاحتفاظ بها

و في نفس الوقت ترفض ماري ان تنتقل بريشس للعيش مع جدتها رغم كرهها لابنتها و عدم اهتمامها بتوفير الحماية لها من والدها الذي يستمر بالاعتداء عليها و يجعلها تحمل للمرة الثانية فتظهر والدتها بشخصيتها المريضة فهي ترى بابنتها الفاجرة التي اعطتها كل شيء و من ثم خانتها بأخذ رجلها منها لتتلخص مشكلتها في تلك العلاقة بأن زوجها قد تم اغوائه و سرق منها فنراها عندما يقدم والد بريشس على جماعها تقف متفرجة لا تحرك ساكنا و تنتقم من ابنتها لاحقا بأن تصب جم غضبها عليها و تنهال عليها بالضرب طوال الوقت و تهينها و تشعرها بأنها ناكرة للجميل و نكرة و تجبرها على تناول الطعام طوال الوقت و على اداء اعمال المنزل و لا تفعل ماري شيئا طوال اليوم فلا تخرج للعمل و تكتفي بالجلوس امام التلفاز, تدخن و تأكل و تمارس العادة السرية و تجبر ابنتها احيانا على ايصالها للذروة الجنسية!!

بريشس بالرغم من كل ذلك فتاة حالمة تحلم بأن يكون لديها عشيق فاتح البشرة و حسن الشعر(حسن الشعر أي له شعر ناعم مثل البيض و للتوضيح انظر فيلم غود هير ل كريس روك

)Good Hair Movie - Chris Rock Sells Black Hair

و ان تكون نجمة تظهر على غلاف المجلات و هذه ليست اشارات بسيطة او مجرد احلام فتاة مراهقة فكل حلم له اصل يبدأ من الواقع سواء بوجود الحلم او عدمه فحلم الفتاة الزنجية بأن تكون نحيفة و شقراء حينا و ان يكون عشيقها ببشرة فاتحة و حسن الشعر تلقي ضوءا على جزء مهم من حياة الامريكيين السود عموما بعدم الرضا عن الذات بربط لون البشر و حال الشعر بشعور السعادة و صعوبة الاختلاط بين الملونين و اختزال الكثير من احلام فترة المراهقة بالوصول للشهرة و الظهور على غلاف المجلات كنجمة تمشي على البساط الاحمر و يحبها الجميع و يريدون التقرب منها و تحبهم بالمقابل و تمشي بجانب شاب فاتح البشرة يرافقها _ يتضح لاحقا انه شاب في الحي يسخر من بدانتها دوما_ او تحلم اثناء مشاهدتها صورها في طفولتها مع والدتها و تحلم ان امها تعاملها بعذوبة و باهتمام

بريشس تمشي دوما خطوة للأمام بدافع الفضول الذي مد لها يد العون.. و بالرغم من انها لم تنتقل للمرحلة الثانوية و لا تحسن التهجئة و ليس لها علاقات اجتماعية في مدرستها و تتعامل بالعنف و الضرب مع كل من يضايقها و لم تتحدث في صفها قط الا انها تعلم انها ستنتبه يوما ما و ستجلس في مقدمة الصف و ستفهم و ستتحرر او سيأتي من يحررها و يحدث هذا بالفعل في حصة الرياضيات للأستاذ ويشر_ الذي تحلم بانه يحبها _عندما تطلبها مديرة المدرسة لتسألها باستنكار ان كانت حاملا للمرة الثانية و عن عائلتها التي تسمح بحمل ابنتها للمرة الثانية؟ لا تجيب بريشس بنعم او لا, فقط تتساءل ان كانت بمأزق لأن هذا ليس عادلا برأيها فهي لم ترتكب شيئا خاطئا؟؟ و أي شيء خاطئ بنظرها فهي لم تحظ بعشيق يوما على غرار المراهقات في المدارس الأمريكية!!!

هذا من ناحية و من ناحية اخرى فهي محرومة من العيش مع ابنتها و تقتصر زيارتها لها عند قدوم موظفة الرعاية الاجتماعية بأسلوب تمثيلي و مهين للطفلة و لنظام الرعاية الاجتماعية في الولايات المتحدة ككل, فعند قدوم موظفة الرعاية الاجتماعية تأتي الجدة بالطفلة و كانها تعيش بالفعل مع ماري و بريشس لتحصل ماري على الدعم المادي و يقتصر دور الموظفة ان تسأل باقتضاب عن حالة الطفلة بدون مراجعة حقيقة ذلك بأسلوب بيروقراطي و متكرر حتى تجد ان النظام نفسه لا يهتم بمراهقة تنجب طالما انها تؤوي وليدها و ان دعم الحكومة يقتصر فقط على تقديم المال بدون غوص اكثر في التفاصيل و من ثم تمتنع عن تقديم المعونة عندما تعلم الموظفة ان بريشس تخفي شيئا عنهم بخصوص علاقتها بوالدها ويكون الرد بمنعها من اخذ مال الرعاية فقط!

تفقد بريشس نفسها الثقة بنظام الرعاية عندما يطلب منها التنازل عن طفليها للتبني فترفض رغم صعوبة الخيارات المتاحة فإما اكمال التعليم و ترك الاطفال للتبني او الاحتفاظ بهم و العمل لأعالتهم عندما تكتشف بعد سرقة ملفها من مكتب الرعاية الاجتماعية ان نظام الرعاية الاجتماعية لا يحميها و يتوقع عملها كخادمة بأجر زهيد لإعالة اطفالها الذين انجبتهم بالرغم منها و بدون أي اعتبار لخيارها الشخصي الا انه يريد منها تحمّل عبئهم بدون سؤال عن والدهم او مسؤوليته تجاههم و توابع ذلك كله لا يلاءم طموحها الشخصي

نعود لبريشس عند ذهابها للمدرسة البديلة التي ترسلها اليها مديرتها لتتعلم بها حتى تلد حيث تجتاز امتحانا لتحديد مستواها التعليمي و هذه من اجمل المقاطع في الفيلم.. يتكون الامتحان من اسئلة بسيطة جدا من مثل " اذا كانت الغيوم في السماء غامقة اللون فان الجو يكون ؟؟" و تختار بريشس الجواب بدل ماطرا سعيدا و السؤال الثاني عن تحديد شعور فتاة تحت ظرف معين الا انها تعجز عن الاجابة.. بالنعاس او الاستمتاع او الحزن و يتضح السبب لاحقا , لأن الامتحان يعكس حقيقة حياتها مع والديها و جهلها بالعواطف و مشاعرها المشوهة و صعوبة تحديد ماهيتها او معرفة مشاعر الغير و يصورها و عائلتها بأبشع الطرق فلا تعريف صحيح للحب او الحزن او الكره او غيره كما يجب الا انها بالرغم من ذلك تنظر للأعلى لأنها "سترى من سيسقط من هناك .. امها ربما"

تحلم الطفلة بالتحرر و يحصل هذا _ على الاقل التحرر الفكري من الحب الذي ألمها و من كرهها لنفسها _ عندما تقابل الآنسة راين المعلمة في المدرسة البديلة.. الآنسة راين شخص متزن و هادئ و تحب التعليم و تسعى لكل ما هو افضل لطالباتها من الفتيات الملونات اللواتي تعبث المشاكل بحياتهن.. تعلمهن القراءة و الكتابة و الكلام في الصف الذي يعتبر انجازا لبريشس و تكون لها بمثابة الضوء في نفق مظلم يشع دوما حتى لو ذهب بعيدا الا ان اثره يبقى و ينتقل بالتعدي

تذهب بريشس للمدرسة البديلة اولا بدافع المعرفة بالرغم من اعتراض امها على ذلك_ اعتراض امها يبدو لاحقا انه آني فقط و لا تفعل شيء حقيقي من اجل منعها او منع أي شيء فهي تشعر بالحنق و الكره لبريشس فتقول لها:

" تشعرين انك جميلة الان؟" اذا أي شيء يجعل حياة بريشس تبدو افضل ذكائها او فرصها بالتعليم او حتى قدرتها على الانجاب من والدها بعلاقة محرمة اجبرت عليها للمرة الثانية اكثر مما فعلت امها نفسها يجعل امها تشعر بالحنق و الكراهية اكثر و اكثر و تضعها بالمقارنة النسائية النديّة معها فهي بالنسبة لها الفتاة الصغيرة الغرة التي لا تملك أي خبرة الا انها استطاعت ان تأخذ زوجها منها كامرأة و تحملها وزر كل هذه العلاقة بالشتائم و الضرب المبرح ثم ترقص و تصفف شعرها و كأن شيئا لم يكن

كره الام لابنتها و تخليها عن المشاعر الانسانية و تركيزها على نفسها فقط و عدم خروجها من قوقعة الرجل و بحثها المحموم عنه و شعورها انه سلب منها يتجلى في ابشع صورة عندما تضع بريشس جنينها الثاني_ تسميه عبدول جمال لويس جونز_ و تمضي في المشفى فترة لا تسأل امها عن غيابها بها و تغادره الى المنزل وحدها.. تطلب منها والدتها ان تحمل الطفل فتسمح لأمها بذلك.. الا ان ماري ترمي الطفل كحثالة و تبدأ بضرب ابنتها .. هنا يظهر التناقض بين كره ماري لبريشس بالرغم من طفولتها المسلوبة و تعلق بريشس بابنها الذي لا ترغب ان تكرهه فلا تكون صورة لأمها مع انه ثمرة زنا المحارم فلا تتوانى عن ضرب امها بالمثل لأول مرة فأخذه و تهرب من المنزل عازمة الا تعود في اكثر المواقف إيلاما عندما تسقط مع الطفل عن الدرج و تبدأ بالنزف طوال الطريق_ مشهد جعلني اقشعرّ_ لتلجأ الى الآنسة راين التي لا توفر جهدا للحصول على مأوى لبريشس و ابنها فتسكن مؤقتا عند صديقة معلمتها_ التي تكون شريكها الجنسي اذ ان معلمتها سحاقية_ في هذه المرحلة لم اجد داعيا يؤثر في عمق القصة لهذه الاضافة و كانها محشوة بفكرة ان المثليين ليسوا بالضرورة سيئين

تتوالى احداث الفيلم و لا تعود بريشس لبيتها ثم تاتي امها للسؤال عنها في مركز اعادة التأهيل و تخبرها ان والدها توفي بمرض الايدز.. بريشس لا تتأثر بل تخبر امها بضرورة الفحص فترفض لجهلها و ظنها ان الايدز ينتشر بالممارسة من الخلف فقط!! كيف لا و هي التي تقول دوما ان التعليم لا يمكن ان يطعم احدا و انه لا شيء ممكن تعلمه في الكتب الا ان سبب الزيارة الحقيقي هو عودة بريشس للمنزل حتى تحصل والدتها على مال الرعاية

عندما تعرف بريشس بإصابتها بمرض الايدز تدخل حالة من الحزن و تنفجر بوجه معلمتها في الصف قائلة انها لا تريد منها ان تحبها لأن الحب مؤذي و لم يكن يوما جيدا لها فوالدتها التي تقول لها دوما انها احبتها و منحتها اكثر مما تقدر تعتبرها خائنة لها بأخذ والدها منها فتضربها و تهينها و والدها يخبرها انه يحبها اكثر من والدتها و يغتصبها و يرغب بالزواج منها و يصيبها بمرض قاتل تفقد معه الامل في الاستمرار حتى من اجل ابنائها فالحب لم يقدم لها شيئا الا الالم

و اخيرا تتحرر من العار المرتبط بالاغتصاب باعترافها امام الجميع بما فعله ابوها و و تطرح خجلها و كأنه خطأها و في نفس الوقت يلقي عنها عبء احساسها بالذنب كنوع من التخلي عن الانكار و مواجهة الواقع و معرفتها ان كل ما ظنته حبا ليس كذلك فلا تنطبق عليه شروط حب الوالدين لأبنائهم مما يزيد في احساسها بالامان و الايمان بذاتها كما هي و التخلي عن حلمها بان تكون بيضاء و نحيفة حيث و بصورة رمزية في اخر الفيلم تكون جالسة بجانب فتاة سوداء صغيرة تعاملها امها بقسوة فتقرر ان تعطيها الوشاح البرتقالي الذي يظهر في حلم بريشس و تذهب لمقابلة امها ماري لآخر مرة

هذه المقابلة التي تجمع بريشس و ماري و موظفة الخدمات الاجتماعية و التي تطلب فيها امها ان تأتي للعودة و السكن معها و اطفالها و تأمل بريش بأن تتحسن الامور الا ان امها كما هي ما تزال تراها عاهرة اخذت رجلها و حصلت على كل شيء من محبة امها و ابوها لها و لم تقدم أي مقابل بل فقدت رجلها بسبب هذه الطفلة الساقطة برأيها _تقصد بريشس_ التي استسلمت بصمت و لم تقل شيئا لذا فوجودها هو الخطأ لأنها برأيها فقدت الحب و الاهتمام بسبب لعبها دور المرأة البديلة عن والدتها لذا ماري ترى نفسها الضحية و ربما برأيها تستحق مال الرعاية لأنها الضحية

هنا تواجه امها بقولها " الآن عرفتك على حقيقتك و ربما رفضت معرفتك من قبل"

بريشس تفعل ما توده دوما فتأخذ طفليها و تسير الى المجهول لكنها على الاقل عرفت اين تقف و فقدت الامل بمن عقدت عليهم املا كبيرا و لم يعد لها ايمان الا بنفسها

الفيلم يتحدث عن زنا المحارم و وقوف احد الوالدين او كلاهما بموقف الهروب احيانا او الانكار و الاقسى تحميل الطفل لعبء الدمار الذي يلحق بالمنزل جراء ذلك خاصة فيتمثل ذلك بالاثر النفسي الرجعي على الطفل الذي يتمثل برسم صورة مرعبة و مزيفة لدى الضحية عن الحب و المشاعر و فقدانه الامان من المصدر الرئيسي للأمان و هم الوالدين و الاستسلام لصورته الغريبة و القاسية مثل حب بريشس لوالديها و انكارها لأخطائهم و كرهها لنفسها و شكلها و القائها اللوم عليها وعدم مواجهة الحقيقة من قبل المسؤولين و البالغين في العائلة عن ذلك _ الام في هذه الحالة_ و تعلق الام المرضي بزوجها و جهلها بالقوانين و التعليم و اتكالها على الغير و العزلة التي تحياها فترى زوجها مدفوعا بالرغم عنه في هذه العلاقة لأن القاء اللوم على الاطفال اسهل بكثير من مواجهة المخطئ و تحميلهم المسؤولية و اتخاذ اجراءات مسئولة و واعية مثل طلب الطلاق او الاتصال بالشرطة او الهرب و ما ينطوي ذلك عليه

زنا المحارم انتج اطفالا لا يمكن تعريفهم اجتماعيا فهم اخوة بريشس و ابناءها و هي تشعر بمسؤولية مدفوعة بحب غريزي تجاههم لا تقوى على تحملها الا بجهد جهيد رغم صغر سنها و عدم توفر الحماية و المساعدة لمن هم امثالها الا ان ثقتها بنفسها و املها بمستقبل افضل لأطفالها و حلمها ان يسكنوا معها بدون ان تضطر للتخلي عنهم و مواجهتها اخيرا لحقيقة والدها الذي تسبب لها بالأذى و المرض المؤدي للموت جعلها تتحرر من عقدة الذنب و الاحساس بالخجل اولا و مواجهة امها بالتالي بمساوئها فتأخذ قرارا بأخذ طفليها كما رغبت دوما و الانتقال لتعيش معهم و منحهم الحب الذي رغبت به دوما و لم يكن بينها و بين الشيء الذي رغبته دوما هو كسر حاجز الخوف و تحديد مسار الخطأ و الصحة في الحياة و تحميل الذنب لمن يجب ان يتحمله مهما كان ذلك صعبا و يبدو مستحيلا الا انه مفتاح لخيارات اخرى تبدو في ظاهرها بعيدة المنال الا انها ممكنة تحتاج خطوة للأمام فقط

Push by Sapphire الفيلم مأخوذ عن رواية

قام بالادوار

Gabourey Sidibe as Claireece "Precious" Jones

Mo'Nique as Mary

Paula Patton as Ms. Blu Rain

..................................................... ...................................................................

 

1 comment so far.

  1. Unknown 29/4/10 12:00 ص
    رائع
    جدا رائع
    استمتعت بالقراءة أكثر من مشاهدة الفيلم نفسه!!

    والفيلم يحمل رسائل متعددة كما ذكرت وأكثر

Something to say?